بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
أما بعد .. أحبتي في ربي ...
أسأل
الله تعالى أن يرزقنا حبه وحب من يحبه ، ويرزقنا عملا صالحًا يقربنا إلى
حبه ، اللهم الطف بنا في تيسير كل عسير ، فإنَّ تيسير كل عسير عليك يسير ،
الهم الطف بنا وارحمنا واعفُ عنَّا واجعلنا من أحب عبادك لك بمنك وفضلك يا
أكرم من سئل .
كما
تواعدنا على مذاكرة هذا المعنى النفيس في لطف الرحمن الرحيم ، لنغرس
اليقين باسمه اللطيف فنزداد له حبًا ونزداد له قربًا ، ونتعبده بهذا الاسم
واقعيًا بصورة جديدة .
قد
لا تتفهموا خطورة ما يقوله ابن القيم من أول وهلة ، ولكن والله كل من جرب
وعرف الطريق إلى الله تعالى ، وعانى فيه ، سيدرك الخطر ، فالقصة قصة قلب ،
ولطف من الله لتلك البواطن ، لو تفهمون ؟؟؟؟
قال
ابن القيم في " الفوائد " : " العبد دائما متقلب بين أحكام الأوامر وأحكام
النوازل ، فهو محتاج بل مضطر إلى العون عند الأوامر ، وإلى اللطف عند
النوازل ، وعلى قدر قيامه بالأوامر يحصل له من اللطف عند النوازل ، فإنْ
كمل القيام بالأوامر ظاهرا وباطنا ناله اللطف ظاهرا وباطنا ، وإن قام
بصورها دون حقائقها وبواطنها ناله اللطف في الظاهر وقلَّ نصيبه من اللطف
في الباطن " أهـ
فهذا
معنى " تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة " تعرف له بطاعتك له في
الظاهر ، يلطف بك فيما خفي عليك من أمور ، تعرف له ليس بالصلاة والصيام
والذكر الذي هو من أعمال الظاهر فقط ، بل تعرف له بخشوعك ومراقبتك له ،
بتحسس قلبك ، ولكننا للأسف لما أهملنا قلوبنا واهتممنا بظاهر الأعمال ،
غاب عنَّا اللطف الباطني ، ومن هنا نشتكي من قسوة القلب ، والفتور
والانتكاس ، وقلة الاستقامة ، ودوام زيغ القلب ، فإذا سألت ما العلاج ،
قيل لك : أن يلطف بك اللطف الباطني .
قال ابن القيم : " فإن قلت : وما اللطف الباطن ؟
فهو
ما يحصل للقلب عند النوازل من السكينة والطمأنينة وزوال القلق والاضطراب
والجزع فيستخذى بين يدي سيده ذليلا له مستكينا ، ناظرا إليه بقلبه ساكنا
إليه بروحه وسره ، قد شغله مشاهدة لطفه به عن شدة ما هو فيه من الألم ،
وقد غيبه عن شهود ذلك معرفته بحسن اختياره له ، وأنه عبد محض يجري عليه
سيده أحكامه ، رضى أو سخط ، فإن رضى نال الرضا ، وإن سخط فحظه السخط ،
فهذا اللطف الباطن ثمرة تلك المعاملة الباطنة يزيد بزيادتها وينقص
بنقصانها "
يعني
أن من يكون الحال مع الله تعالى ، ويعامل ربه بقلبه ، ويكون له صلة بالله
تعالى صلة خفية تحصل له تلك الألطاف الإلهية ، فيرزقك سكون القلب
واستقامته ، ويدفع عنك القساوة ، وتراك في حال غير الحال ، ومن هنا تعرف
أن الأنبياء لم يكونوا يشعرون بشدة الابتلاء لسلامة بواطنهم ، وإن نالهم
في الظاهر الأذى ، هل تفهمون ؟؟
هذه عدة إيمانية واجبة ، كيف نستنزل اللطف الباطني :
أولاً : تحسس قلبك ، وراقب ما فيه ، وليكن أعظم ما تهتم به .
ثانيًا : لا تفتر عن الدعاء ب ( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك )
ثالثًا
: تدبر القرآن من باب تنزيله على القلب ، واستشعار المعاني دون الاهتمام
البالغ بالألفاظ لمجرد التلاوة وأخذ الأجر ( نزل به الروح الأمين على قلبك
)
فواجب
عملي الآن : تدبر سورة الفجر ، لأنها السورة التي نزل فيها فضل أيام عشر
ذي الحجة ، صلوا بها يوميًا قيام الليل من الآن فصاعدًا ، عسى أن ينور
الله قلوبنا بمعانيها وأسرارها ، فينزل اللطف من اللطيف الخبير .
رابعًا : تعلموا المناجاة كيف تكون ؟ لأنها من موجبات المعاملة الباطنة ، مناجاة في خفاء تستنزل اللطف الخفي .
استمعوا إلى حلقة ودرس : ( وقربناه نجيًا ) لتعلم كيفية ذلك .
http://www.manhag.net/droos/details.php?file=353 http://www.manhag.net/droos/details.php?file=260 خامسًا :تذكروا من أعظم أسباب اللطف الذل والانكسار ، فتضاعف ما استطعت فإنَّ اللطف مع الضعف أكثر .
تنبيه :
تطالبونني
بالأعمال ، وقد عودتكم على ذلك ، ولكن بالله كم منكم يستجيب في الحال
ويطبق الواجب ، ولا يتكاسل ولا يتقاعس ، ومن منكم يبالي ولا تأخذه مشاغله
؟ ومن منكم لا يصده الكبر عن الإذعان لما يؤمر به ؟ اللهم الطف بنا
طهروا القلوب من معاصيها لتستقيم لكم أعمالكم .
محبكم في ربكم
هاني حلمي